/ الفَائِدَةُ : (116) /
11/06/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مُميِّزَات قوالب بيانات الوحي / إِنَّ لقوالب بيانات الوحي مُـمَيِّزات ، ينبغي صرف النَّظر إِليها ، منها : الأَوَّل : أَنَّها مرآة مهولة ، لا تنفد معانيها وحقائقها ، ولا تنتهي ولا تتناهىٰ عند حدٍّ أَزلاً وأَبداً . وإِلى هذا أَشارت بياناته الوافرة الباهرة ، منها : 1 ـ بیان قوله جلَّ قوله : [قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً](1). 2 ـ بیان قوله جلَّ اسمه : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](2). 3 ـ بیان قوله جلَّ ذكره : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ](3). الثَّاني : أَنَّها تعصم شيئاً فشيئاً مَنْ يتمسَّك بها من الزَّيغ والزَّلل والِانحراف ؛ فلا يشمل مَنْ يبحر في معاني منظومة قوالب أَلفاظ بيانات الوحي زيغ الفتن، ولا تستولي عليه غشوة : الضَّلال والإِضلال والحيرة والمحن. وهذا أَحد معاني بياناته ، منها : 1 ـ بيان قوله جلَّ قدسه : [فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى](4). 2 ـ سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : «إِنِّي تارك فيكم ما إِنْ تمسَّكْتُم به لن تضلُّوا بَعْدِي ، أَحدهما أَعظم من الآخر ، وهو : كتاب الله، حبل ممدود من الأَرض إِلى السَّماء ، وعترتي أَهل بيتي ، لن يفترقا حتَّىٰ يَرِدا عَلَيَّ الحوض ... »(5). 3 ـ بیان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... فإِنِّي حاملكم إِنْ شاء الله إِنْ أَطعتموني علىٰ سبيل النَّجاة وإِنْ كانت فيه مشقَّة شديدة ومرارة عتيدة ... »(6). 4 ـ بيان زيارة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... السَّلَامُ عليكم يا سفن النَّجَاة ... »(7). الثَّالث : أَنَّها لا تدع لِمَنْ يتمسَّك بها ثغرةً ومجالاً للنقض عليه ، ويكون في حِصْنٍ حَصِين من تشكيك المُشَكِّكين ؛ وسهام المغرضين والمُعترضين . وإِلى هذا أَشارت بياناته ، منها : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ](8). ومنه يتَّضح : أَنَّ اِخْتِرَاع الباحث والمُسْتَنْبِط لأَلفاظ وعناوين ومُصطلحات المعارف لا سيما العقائديَّة ـ كـ : لفظ : (واجب الوجود)، و(علَّة العلل) ويُراد منها : الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ قد تؤدِّي إِلى زللٍ وزيغٍ واِنحرافٍ معرفيٍّ وعقائديٍّ خطيرٍ جِدّاً . إِذَنْ : مَنْ يُريد ترصيف قاعدة أَو ضابطة معرفيَّة ـ لاسيما العقائديَّة ـ فإيَّاه والتَّكلُّف والتَّمحُّل واِختراع الأَلفاظ والعناوين والمُصطلحات من تلقاء نفسه. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِيّاكَ أَنْ تُفَسِّر القرآن برأيكَ ... فإِنَّه رُبّ تنزيل يشبه بكلام البشر ، وهو كلام الله ، وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شيء من خلقه يشبهه ، كذلك لا يشبه فعله تعالىٰ شيئاً من أَفعال البشر ، ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر ، فكلام الله تبارك وتعالىٰ صفته ، وكلام البشر أَفعالهم ؛ فلا تُشبِّه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتَضِلَّ » (9). ٢ ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، مخاطباً کمیل بن زیاد : « ... يا کمیل ، ما من عِلْمٍ إِلَّا وَأَنا أَفتحه ، وما من سرٍّ إِلَّا والقائم عليه السلام يختمه ... یا کمیل ، لا تأخذ إِلَّا عنَّا تكن مِنَّا ، يا كميل ، ما من حركةٍ إِلَّا وأَنت محتاج فيها إِلى معرفةٍ ... يا كميل ، إِنَّما المؤمن مَنْ قال بقولنا ، فَمَنْ تَخَلَّفَ عنَّا قصر عنَّا ، ومَنْ قصر عنَّا لم يلحق بنا ، ومَنْ لم يكن معنا ففي الدرك الأَسفل من النَّار... » (10). 3ـ بیان الإِمام الباقر عليه السلام : « إِنَّه ليس عند أَحَدٍ من حَقٍّ ولا صوابٍ وليس أَحد من النَّاس يقضي بقضاءٍ يصيب فيه الحقّ إِلَّا مفتاحه عَلِيّ ، فإِذا تشعَّبَت بهم الأُمور كان الخطأ من قبلهم والصواب من قبله أَو كما قال »(11). 4ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : « ... فوالله لنحبّكم أَنْ تقولوا إِذا قلنا وتصمتوا إِذا صمتنا ، ونحن فيما بينكم وبین الله »(12). 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : « مَنْ دخل في هذا الدِّين بالرِّجَال أَخرجه مِنه الرِّجال كما أَدخلوه فيه ، وَمَنْ دخل فيه بالكتاب والسُّنَّة زالت الجبال قبل أَنْ يزول »(13). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن محمَّد الحلبي ، قال : « قال لي أَبو عبدالله عليه السلام : إِنَّه مَنْ عرف دينه من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ زالت الجبال قبل أَنْ يزول ، ومَنْ دخل في أَمر بجهل خرج منه بجهلٍ ، قلتُ : وما هو في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ ؟ قال : قول الله عَزَّ وَجَلَّ : [مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا](14) ، وقوله عَزَّ وَجَلَّ : [مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ](15) ، وقوله عَزَّ وَجَلَّ : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ](16) ، وقوله تبارك اسمه : [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ](17)، وقوله عَزَّ وَجَلَّ : [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا](18) ، وقوله عَزَّ وَجَلَّ : [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ](19)، ومِنْ ذلك قول رسول الله لِعَلِيّ عليه السلام : « مَنْ كُنْتُ مَوْلَاه فَعَلِيّ مولاه ، اللَّهُمَّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر مَنْ نصره ، واخذل مَنْ خذله ، وَأَحِبّ مَنْ أَحَبَّه ، وابغض من أَبغضه »(20) (21) . ودلالة الجميع واضحة. وهذا هو المراد من معنىٰ : (التَّعَبُّديَّة) و(التَّوقيتيَّة) و(التَّوقيفيَّة) في أَبْوَابِ مَعَارِفِ الوحي ؛ فما يُقال من أَنَّ الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة (22)، وَأَسماء(23) سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَصِفَاتهم وَهَلُمَّ جَرّاً أُمورٌ تَعَبُّديَّة تَوقيتيَّة تَوقيفيَّة هي بهذا المعنىٰ . وليس معناه ـ كما تخیَّله خُلَاة الأَذهان عن طبيعة بيانات الوحي المنان مِنْ الفلاسفة والعَلمانيِّين والماديِّين وَمَنْ شاكلهم(24) ـ : أَنَّ التَّمَسُّك بأَلفاظ وعناوين بيانات الوحي تحجيرٌ للعقل وَإِحْبَاسٌ وإِغلاقٌ للفكر، بل معناه العكس ؛ فإِنَّ التَّمَسُّك بنتاج البشر فقط ـ بعدما كانت سَعَة البشر وطاقته وَمِكْنَته ونتاجه ؛ والأَلفاظ والمعاني والحقائق الَّتي يتعامل بها محدودة ؛ لمحدوديَّة المخلوق كان ـ هو التَّحجير للعقل وحبس وإِغلاق للفكر، فيُحْبَس مَنْ يتمسَّك به فقط عن العروج إِلى آفاق وعوالم معرفيَّة عظيمة ومهولة وخطيرة جِدّاً، لا يحيط بها إِلَّا باعِث الوحي الإِلٰهيّ (تقدَّست أَسماؤه وعظمت آلاؤه) وأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بخلاف سَعَة الوحي الإِلٰهيّ وطاقته ونتاجه ، والمعاني والحقائق المُتعَامل بها ؛ فإِنَّها بحور متلاطمة زخَّارة ؛ غير متناهية وغير محدودة أَزلاً وأَبَدًا في طُرِّ العوالم غير المتناهية . وَمِنْ ثَمَّ كُلُّ عنوانٍ وكلمةٍ ولفظةٍ ، بل كُلُّ شفرةٍ وزيادةٍ ونقيصةٍ يطلقها المعصوم عليه السلام تُعطي بحوراً من المعاني والحقائق الفيَّاضة غير المتناهية ، وتدلُّ علىٰ عوالم معرفيَّة غير متناهية أَيضاً ، خطيرة وعظيمة ومهولة جِدّاً . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكهف : 109 . (2) لقمان : 27 . (3) النحل 96 . (4) طه: 123. (5) بحار الأَنوار، 23: 118/ح36. (6) المصدر نفسه، 32: 223. (7) المصدر نفسه ، 98: 345/ح1. (8) الأَنعام: 149. (9) بحار الأَنوار، 89: 107/ح2. التوحيد، الباب: 36. (10) بحار الأَنوار، 74: 267. (11) المصدر نفسه، 2: 95/ح35. (12) المصدر نفسه/ح37. (13) المصدر نفسه : 105/ح67. (14) الحشر: 7. (15) النساء: 80. (16) النساء: 59. (17) المائدة: 55. (18) النساء: 65. (19) المائدة: 67. (20) بحار الأَنوار، 23: 102ـ 103/ح11. بشارة المُصطفىٰ: 156ـ 157. (21) ) يَنْبَغِي صرف النظر في المقام إِلى النقطتين التَّاليتين : الْأُولَى : / خُطْبَةُ الغدير موسوعةٌ عِلْمِيَّةٌ ومَعْرِفِيَّةٌ تُروىٰ بعدَّة طُرق / إِنَّ خُطْبَة الغدير خُطْبَةٌ عظيمةٌ ، وموسوعةٌ عِلْمِيَّةٌ ومَعْرِفِيَّةٌ ووحيانيَّةٌ كاملةٌ ، ولها عِدَّة طُرُق، وفي كُلِّ طريقٍ تُروىٰ به جملة مقاطع لم تُذكر في الطُّرُق الأُخرىٰ. النقطة الثَّانية : / أَخَذ سَيِّد الْأَنْبِيَاء البيعة لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ عليهم السلام مرَّات عديدة / إِنَّ سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ البيعة لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ ولسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في غير موقعة الغدير كرَّات ومرَّات : أَحَدَها : في الأَيَّام الأُولىٰ من الدَّعوة السِّرِّيَّة البالغة خمس سنوات ، بحسب جملة من الروايات الحديثيَّة والتَّأريخية ، وحين نزل بيان قوله تعالىٰ : [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ] [الشعراء : 214] ، وكانت هذه البيعة في نطاق بني هاشم ، وقد وردت في روايات متواترة عند الفريقين ، فعقد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مجلساً لثلاث مرَّات ضَمَّ أَربعين رجُلاً من كُبَّار بني هاشم . الأُخرىٰ : عقدها في نِطَاق المهاجرين . الثَّالثة : عقدها في نِطَاق ثلَّة من الأَنصار. وهلمَّ جرّاً، إِلى نهاية العهد النَّبويّ ، فأَخذها من أَبي طالبٍ وجعفرٍ وحمزةٍ عليهم السلام ، بل كان يأخذها صلى الله عليه واله في ليلة كُلّ غزوةٍ وحربٍ في نِطَاقٍ خاصٍّ، فأَخذها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ علىٰ أَمير المؤمنين وعلىٰ فاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر عليهم السلام ، بل وأَخذها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في نِطَاقٍ عامٍّ بين المهاجرين والأَنصار، وفي مواطن عديدة وحسَّاسة. ثُمَّ إِنَّ جميع هذه البُيُوعَات ليست منشأً للإِلزام ـ فإِنَّه تَمَّ عِدَّة مرَّات في بداية عالم الخلقة ، فاخذت في عَالَم : الذَّرِّ ، والميثاق ، والأَصلاب وَهَلُمَّ جَرّاً ـ ، وإِنَّما هي تجديدٌ لذلك العهد وتوكيدٌ له. فلاحظ : بيانات الوحي المُشيرة لذلك ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء مُخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلىٰ آلهما : «أَنْتَ الَّذي احتجَّ الله به في اِبتداء الخلق حيث أَقامهم فقال: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ]، قالوا جميعاً : [بَلَى] [الأَعراف: 172]، فقال : محمَّد رسولي ، فقالوا جميعاً : بلىٰ ، فقال : وعَلِيٌّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، فقال الخلق جميعاً : لا ؛ اِستكباراً وعتوّاً عن ولايتكَ إِلَّا نفر قليل ، وهم أَقلّ القليل ، وهم أَصحاب اليمين ». بحار الأَنوار، 26: 285/ح43. اليقين: 46ـ 47. 2ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِنَّ الله عرض ولايتي علىٰ أَهل السَّماوات وعلىٰ أَهل الأَرض ، أَقرَّ بها مَنْ أَقَرَّ وَأَنكرها مَنْ أَنكر ، أَنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتَّىٰ أَقَرَّ بها ». بحار الأَنوار، 26: 282/ح34. بصائر الدرجات: 22. 3ـ بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قال : « لو يعلم النَّاس متى سُمِّيَ عَلِيّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لم ينكروا حقَّه . فقيل له : متى سُمِّيَ ؟ فقرأ : [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى] الآية [الأَعراف: 172]، قال : مُحمَّد رسول الله صلى الله عليه واله ، وعَلِيّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ». بحار الأنوار، 26: 285/ح٤٤. اليقين: 55. 4ـ بيانه ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَيضاً : «إِنَّ الله تبارك وتعالىٰ حيث خلق الخلق ... قال: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ] [الأَعراف: 172]. قال: ثُمَّ أَخذ الميثاق علىٰ النَّبيِّين فقال : أَلستُ بربِّكم ؟ ... وأَنَّ هذا محمَّد رسول الله ، وَأَنَّ هذا عَلِيٌّ أَمير المؤمنين ؟ قالوا : بلىٰ ، فثبتت لهم النُّبوَّة ، وأَخذ الميثاق علىٰ أُولي العزم أَنِّي ربّكم ، ومُحمَّد رسول الله ، وَعَلِيّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وأَوصياؤه من بعده ولاة أَمري وخزَّان علمي ، وأَنَّ المهديّ أَنتصر به لديني ، وأظهر به دولتي ، وأَنتقم به من أَعدائي ، وأُعْبَد به طوعاً وكرها . قالوا : أَقررنا وشهدنا يا ربّ ، ولم يجحد آدم ولم يقرّ فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ، ولم يكن لآدم عزم علىٰ الإِقرار به وهو قوله عَزَّ وَجَلَّ : [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا] [طه: 115]». بحار الأنوار، ٢٦: ٢٧٩/ح22. بصائر الدرجات: 21. 5ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « في قوله : [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ] [الأَعراف: 172]، قال : أخرج الله من ظهر آدم ذرِّيَّته إِلى يوم القيامة كالذَّرِّ فعرَّفهم نفسه ، ولولا ذلك لم يعرف أَحد ربّه ، وقال : أَلَست بربِّكم ؟ قالوا : بلىٰ ، وأَنَّ محمَّداً رسول الله ، وَعَلِيّاً أَمير المؤمنين ». بحار الأَنوار، 26: 280/ح23. بصائر الدرجات: 21. ودلالة الجميع واضحة . (22) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات في المقام إِلى الْأُمُورِ التَّالية : الْأُمُرُ الأَوَّل : / خطورة بحث الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة / إِنَّ بحث الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة بحث حسَّاس جِدّاً ، وله بالغ الثمرة والتَّأثير في أَبْوَابِ الْمَعَارِفِ والعقائد الْإِلَهِيَّة . الْأُمُرُ الثَّاني : / حقيقة مُطلق الأَسماء والصِّفَات الْإِلَهِيَّة مخلوقات إِلَهِيَّة مُكَرَّمة / إِنَّ حقائق جملة الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ليست كما يتبادر في الِاستعمالات العرفيَّة أَنَّها : عبارة عن أَصوات ملفوظة ومنطوقة ومنقوشة ، وإِنَّما هي أَوائل المخلوقات الْإِلَهِيَّة الْمُكَرَّمَة الَّتي اِنعكس وتجلَّىٰ فيها كمال الذَّات الْإِلَهِيَّة المُقدَّسة ؛ واِنعكست وتجلَّت فيها قُوَّته (تعالىٰ ذكره) وعظمته وقدرته وهيمنته وسائر صفاته وشؤونه ؛ فكانت آيات إِلٰهيَّة عظيمة ومهولة وخطيرة جِدّاً ، ولِشِدَّة كمالها ـ الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة ـ اِنْطَمَسَت إِنِّيَّتها الخلقيَّة ، وتمحَّضَت في حكاية كمال الذَّات المقدَّسة ، وحكاية قوَّته (جلَّت آلاؤه) وعظمته وقدرته وهيمنته وسائر صفاته وشؤونه . وهذا ما يُشير إِليه بيان القاعدة المعرفيَّة المُطَّردة في أَبْوَابِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّة ، وهي : « أَنَّ المخلوقات الْإِلَهِيَّة الأُولىٰ لقربها من الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزَليَّة المقدَّسة تتجلَّىٰ فيها العظمة الْإِلَهِيَّة أَكثر من سائر المخلوقات » ، ومن ثَمَّ تأخذ بالتَّبع ـ وكوجود ظلِّي وثانياً وبالعرض ـ جملة أَحكام وأَسماء وصفات وشؤون الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً . وبالجملة : أَنَّ مُطلق الأَسماء والصَّفَات الْإِلَهِيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ مخلوقات إِلَهِيَّة ، لكن : ليس لها لون خلقي وحدوث مخلوقات ، وإِنَّما حدوث في الحُجُب والسَّدنة الرُّبُوبيَّة ؛ فإِنَّ الواحد غير القادر ، وهما غير الأَوَّل ، وهم غير الآخِرِ ، وهلمَّ جرّاً ، وهذه المُغايرة كاشفة عن وجود حدود خفيَّة ؛ وتناهي خفيّ مُنَزَّه عنه الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ تقدَّس ذكره. وللتَّوضيح أَكثر نقول : إِنَّ حقيقة الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة والقرآن الكريم وسائر المعارف الإِلٰهيَّة لا تكمن بوجوداتها الِاعتباريَّة ـ سوآء كانت صوتيَّة أَم كَتْبِيَّة ـ ولا بالمعاني الذهنيَّة ، بل ولا ببحور المعاني ، وهذه وإِنْ كانت لها قدسيَّة وشعشعانيَّة ونورانيَّة عظيمة جِدّاً، وآثار طلسميَّة عجيبة وغربية وردت في بيانات الوحي الشَّريف ، لكن حقيقة هذه الموجودات الشَّريفة تكمن في وجوداتها وواقعيَّاتها الصَّاعدة ، والَّتي تُهيمن علىٰ ما تحتها وتتصرَّف فيه تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ . إِذَنْ : للأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ وما شاكلها من الحقائق والمعارف الإِلٰهيَّة واقعيَّات تكوينيَّة ملكوتيَّة في عوالم شريفة صاعدة ، مهولة جِدّاً، مُهَيْمِنَة علىٰ ما دونها وتتصَّرف فيها تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ. وعليه : فينبغي للمخلوق أَنْ لا يُسْكِر عقله بوجوداتها الِاعتباريَّة الشَّريفة ، وإِنَّما يمدّ نظره وينشب أَظفاره بتلك المخلوقات المهولة الصَّاعدة . ومن أَراد الاِطِّلاع علىٰ معارف الأَسماء الْإِلَهِيَّة ومعانيها وحقائقها فليراجع بيانات الوحي الوافرة ، منها : سورة الرعد ، ودعاء ليلة عرفة ، ودعاء السمات . بعد الِالتفات : أَنَّ معارف عَالَم الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة من أَعقد المعارف الَّتي تعرَّضَت لها بيانات الوحي . الْأُمُرُ الثَّالث : / اِستعمالات الأَسماء والصِّفَات الْإِلَهِيَّة تارة علىٰ نحو الطريقيَّة وَأُخرىٰ علىٰ نحو الموضوعيَّة / إِنَّ الأَسماء الْإِلَهِيَّة تارة تُطلق ويُراد بها المُسَمَّىٰ تقدَّست أَسماؤه وعظمت آلاؤه ؛ صاحب الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزَليَّة المُقدَّسة ، وهذا هو المُنسبق من اِستعمالاتها . وأُخرىٰ تُطلق ویُراد بها نفس الأَسماء الْإِلَهِيَّة . والاِستعمال الأَوَّل آلي، والثَّاني موضوعي؛ لكن الآلية والموضوعيَّة لا تكمن في الأَلفاظ ولا في المعاني، وإِنَّما في ما وراء المعاني من واقع الأَسماء ووجوداتها وحقائقها ؛ فإِنَّه تارة يُنظر إِليها كآيات وعلامات للذَّات الْإِلَهِيَّة ، وأُخرىٰ يُنظر إِليها بما هي هي . وإِرادة الْمُسْتَعْمِل للنَّحو الأَوَّل وتميِّزها عن إِرادته للنَّحو الثَّاني في السُّوَرِ والآيات القرآنيَّة وبيانات أَهل البيت عليهم السلام ، وما تُذكر من شؤون وصفات للأَسماء الْإِلَهِيَّة أَمر بالغ الأَهميَّة والثمرة والخطورة . وتمييز أَحد الِاستعمالين يعتمد علىٰ القرائن الحاليَّة والمقاليَّة . إِذَنْ : إِطلاقات الأَسماء الْإِلَهِيَّة الواردة في بيانات الوحي، تارة يُراد منها نفس الأَسماء الْإِلَهِيَّة ـ وهي مـخلوقات شريفة ومهولة وعظيمـة ، في عوالـم كريمة صاعدة ـ، وأُخرىٰ يُراد منها مُسمَّاها ؛ صاحب الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزَليَّة المُقدَّسة، وهو (تقدَّس ذكره) ورائها وفوقها، ومُهَيْمَن عليها، وغنيّ عنها، ومُـمِدُّها، وهي مفتقرة ومحتاجة إِليه كحال سائر المخلوقات من هذه الجهة ، بل أَشَدُّ . ونُكْتَة هذا التَّنبيه ؛ كيما لا يحصل خلط في مباحث المعارف والعلوم الْإِلَهِيَّة. فانظر : بيانات الوحي المشيرة إِلى النَّحو الأَوَّل ، منها : 1ـ بیان قوله تعالىٰ : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] [النور: 35]. 2ـ بیان قوله جلَّ ذكره : [وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا] [الفجر: 22]. 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : « مَنْ صام أَوَّل يوم من شعبان وجبت له الجنَّة البَتَّة ... ومن صام ثلاثة أَيَّام زاره الله في عرشه من جنَّته في كُلِّ يوم ». [من لا يحضره الفقيه، 2: 92/ح1824]. وقـد أَوَّلَت بيانات الوحي الأُخرىٰ فقرة : « زاره اللّٰـه في عرشه » بـ : (زاره سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله)؛ فإِنَّ طبقات حقيقته صلى الله عليه واله الصَّاعدة ـ كطبقات حقائق سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - هي : أَوَائِلُ الصوادر ، والتَّجلِّيات والظهورات الأَعظم ، والصِّفات والأَسماء الْإِلَهِيَّة الحسنىٰ ، فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة . ولاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ المُشيرة إِلى النَّحو الثَّاني ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله عزَّ قوله : [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] [الروم: 30]. ثانياً : بيان قوله عزَّ من قائل : [فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيل] [فاطر: 43]. ثالثاً : بيان قوله جلَّ قوله : [لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا] [الأَنبياء: 22]. رابعاً : بيان قوله جلَّ اسمه : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ] [فاطر: 15]. ودلالة الجميع واضحة . الْأُمُرُ الرَّابع : / الدور المعرفي للأَسماء والصِّفَات الْإِلَهِيَّة نفي التَّعطيل والتَّشبيه / إِنَّ دور الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة في المعرفة الْإِلَهِيَّة : نفي التَّعطيل في معرفة الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ونفي التَّشبيه . الْأُمُرُ الخامس : / عدم معرفة المخلوق للأَسماء والصِّفَات الْإِلَهِيَّة توقعه بانزلاقات عقائديَّة خطيرة / إِنَّ كثير من التَّوهُّمات والتَّساؤلات والإِشكالات والتَّخرُّصات الَّتي يُثيرها المخلوق علىٰ ساحة القدس الْإِلَهِيَّة ناشئة من عدم معرفته بباب الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة ، فإِنَّه باب مُهِمٌّ جِدّاً في توطيد صِلَة وعلاقة المخلوق بخالقه تقدَّس ذكره. مثال ذلك : (اليهود) ؛ فإِنَّ لديهم اِعتقاد بالله تعالىٰ ، لكن لَـمَّا لم تكن لديهم معرفة بالأَسماء والصِّفَات الْإِلَهِيَّة أَرتطموا بمحاذير معرفيَّة وعقائديَّة خطيرة جِدّاً ، منها : نسبة البخل إِلى الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزَليَّة المُقدَّسة . فانظر : بيان قوله تقدَّست أَسماؤه : [وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ] [المائدة: 64]. الْأُمُرُ السَّادس : / ترابط وثيق بين الأَسماء الْإِلَهِيَّة والتَّوجُّه بها إِلى السَّاحة الْإِلَهِيَّة / / التَّوجُّه إِلى أَهْل الْبَيْتِ عليهم السلام أَخطر الِاختبارات الكاشفة عن مدىٰ بصيرة المخلوق / هناك صِلَة وثيقة بين الأَسماء الإِلٰهيَّة ـ حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ والتَّوسُّل والتَّوجُّه بها إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بیان قوله تعالیٰ : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] [الأَعراف: 180]. 2ـ بيان الإِمام الرضا منظمّاً إِليه بيان الإِمام الصَّادق عليهما السلام ، قال : « ... إِذا نزلت بكم شِدَّة فاستعينوا بنا علىٰ الله ، وهو قول الله : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا] . قال : قال أَبو عبدالله عليه السلام : نحن والله الَأسماء الحسنىٰ الَّذي لا يُقبل من أَحدٍ إِلَّا بمعرفتنا ، قال : [فَادْعُوهُ بِهَا] ». بحار الأَنوار، 91: 5ـ 6/ح7. تفسير العياشي، 2: 42. ومنه يتَّضح : أَنَّ التَّوجُّه والِالتجاء إِلى سيِّد الأَنبياء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من أَعظم وَأَهم الِامتحانات والِاختبارات علىٰ مدىٰ الأَزمان والدُّهور ؛ الكاشفة عن مدىٰ معرفة وبصيرة المخلوق . الْأُمُرُ السَّابع : / تَنَزُّه الذَّات المُقَدَّسة عن مطلق المخلوقات / / كمال جملة الصِّفات الْإِلَهِيَّة من الذَّات المُقَدَّسة / إِنَّ الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة مُنَزَّه عن جملة مخلوقاته ، منها : الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة . ولا يُقال : إِنَّ كمال الذَّات الْإِلَهِيَّة الُمقدَّسة بالصِّفات . فإِنَّه يُقال : الحق : أَنَّ كمال مطلق الصِّفات الْإِلَهِيَّة مُنبثق ومُتجلِّي من الذَّات المُقدَّسة ، لا العكس . ومنه يتَّضح : أَنَّه لا يُمكن لمُطلق الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة اِكتناه الذَّات المُقدَّسة. الْأُمُرُ الثَّامن : / خطورة البحث في أَبْوَابِ الْمَعَارِفِ والعقائد الْإِلَهِيَّة / إِنَّ البحث في أُلوهيَّة الْإِلَه (جلَّ وتقدَّس)، وفي التَّوحيد وسائر أَبْوَابِ الْمَعَارِفِ والعقائد الْإِلَهِيَّة ليس دغدغة عواطف ، بل بناء كرامة وبناء عُلُوّ المخلوق ؛ وبرامج لنُبْلِ وكرامة الإِنسانيَّة في المجتمع في هذا الكوكب الأَرضي ؛ وبناء خارطة عقائد ومعارف وخارطة مسار إِنساني لا تحدُّها الأَرضين والسَّماوات السَّبع ، بل لا تحدُّها مُطلق العوالم غير المتناهية ، وباقية لآبادٍ وآزالٍ . إِذَنْ : الِاعتقاد بالتَّوحيد ليس ترنيم عواطفي ، وإِنَّما خارطة طريق تنعكس علىٰ كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في هذه الدُّنيا الدَّنِيَّة حتَّىٰ علىٰ مَنْ جعل الجنس صنماً له ـ مثلاً ـ ، فضلاً عمَّن رفع هِمَّته إِلى عوالم أُخرىٰ ، وحياة كريمة ونجيبة وشريفة ونبيلة ، وعُلُوّ مقامات في هذا العَالَم وفي سائر عوالم الخلقة غير المتناهية . وبالجملة : المعارف الْإِلَهِيَّة والِاعتقاد بالتَّوحيد ليس شيئاً تجريديّاً أَو عاطفيّاً ، وإِنَّما حقيقة مسار يُكَوِّن جملة مسارات المخلوقات ، وتنعكس علىٰ حياتها : (السياسيَّة)، و(الِاجتماعيَّة)، و(الأَمنيَّة)، و(العسكريَّة)، وهلمَّ جرّاً، وتنعكس أَيضاً علىٰ سلوكها ، ومن ثَمَّ تُجعل الدولة دينيَّة والمسار ديني ، والدِّين هو الحياة الكريمة في كَافَّة الاتجاهات ، ويَجعل مَنْ سار علىٰ صراطه كريماً نجيباً ، ومعرفته ترفع همَّة المخلوق وتعلو بتفكيره . والمعصوم عليه السلام هو المُجسِّم للكمال . ثُمَّ إِنَّ مَنْ يُطَلِّق الدين يتبنَّىٰ أَيّ مرام وكُلّ حرامٍ ، ويكون شعاره الْاِسْتِبَاحَة والْإِبَاحِيَّة في جملة الأَشياء ، ويصير وحشاً كاسراً ، وبَهِيْمِيّ الشَّهوة والنَّزْوَة . الْأُمُرُ التَّاسع : / تنزُّه الذَات المُقدَّسة عن جملة من شؤون الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة / / لكُلِّ اسم إِلٰهي مداولة وتغيُّر وتبدُّل خاصّ به / / الأَسماء الإِلٰهيَّة لا تتَّسع بوسع الذَّات المُقدَّسة / إِنَّ ما ورد في دعاء الافتتاح : « ... وأَيقنتُ أَنَّكَ أَرحم الرَّاحمين في موضع العفو والرَّحمة ، وَأَشَدُّ المُعَاقبين في موضع النَّكَال والنَّقِمَة ، وَأَعظم المتجبِّرين في موضع الكبرياء والعظمة ... » [بحار الأَنوار، 94: 337] برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ علىٰ أَنَّ للأَسماء الْإِلَهِيَّة شؤون ومواطن لا يمكن للّٰـه المُسمَّىٰ؛ صاحب الذَّات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة الِاتِّصاف بها ؛ فإِنَّ الأَسماء الْإِلَهِيَّة بهذه الشؤون والمواطن تكون محدودة ومتناهية بالقياس إِلى الذَّات الإِلٰهيَّة المُقَدَّسة. ودالٌّ أَيضاً : أَنَّ الباري ـ المُسمَّىٰ ـ (جَلَّ ثناؤه) إِذا أَراد رحمة مخلوق فَلَا يتجلَّىٰ له بالكبرياء والعظمة ، بل بالعفو والرَّحمة ، وإِذا أَراد معاقبة مخلوق فلا يتجلَّىٰ له بالعفو والرَّحمة ، وإِنَّما بالنَّكال والنَّقِمَة ، وعلىٰ هذا قس سائر الأَسماء والصفات الْإِلَهِيَّة بالقياس إِلى ما يُناسبها وما لا يُناسبها من شؤون وَمَوَاطِن . وعبَّرَ أَهل المعرفة عن هذا التَّجَلِّي والظهور بـ : « دولة الأَسماء »، وكأَنَّما لكُلِّ اسمٍ إِلٰهيّ دولة ؛ بمعنىٰ : مداولة وتغيُّر وتبدُّل . وهذا التَّغيُّر دليلٌ علىٰ فقر وحاجة الأَسماء الْإِلَهِيَّة للذَّات الُمقدَّسة . ودليلٌ أَيضاً علىٰ أَنَّ الاسم الإِلٰهيّ ـ كـ : اسم (الله) ـ لا يتَّسع بوسع الذَّات الْإِلَهِيَّة المُقدَّسة الثَّابتة بقول مُطلق ، وهذا هو معنىٰ : عُلُوّ قاهريَّة الباري ـ المُسمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الْإِلَهِيَّة المقدَّسة ؛ وحاكميَّته علىٰ كافَّة عوالم الخلقة وجملة مخلوقاتها ، منها : الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة ، فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة . (23) هناك نُكْتَةٌ معرفيَّة يجب الِالتفات إِليها، حاصلها : أَنَّ الثَّابت في بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : أَنَّ لكُلِّ واحدٍ مِنْهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَسماءً عديدةً ، وكُلّ اسمٍ منها مُشتقّ من اسمٍ إِلٰهيّ . (24) يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات في المقام إِلى التَّنبيهات التَّالية : التَّنبيه الأَوَّل: / الإِيمان بالغيب باعث لتحصيل الفضائل والكمالات / إِنَّ الإِيمان بالغيب أَساس أُسس الْعِلْم والمعلومات الحقَّة، بل لولا الإِيمان بالغيب لَـمَا كان هناك باعث لتحصل الْعِلْم وسائر الفضائل والكَمَالات، ولَـمَا كانت هناك بواعث للحركة في أَيِّ عِلْم من العلوم ، سوآء أَكان ذلك المخلوق ملتفتاً إِلى هذه القضيَّة أَم لا. ولعلَّ هذا هو ما يشير إِليه بيان قوله تقدَّس ذكره : [ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ] [البقرة: 2ـ3]. التَّنبيه الثَّاني: / لا بُدَّ من إِعْطَاء العلوم الدِّينيَّة حقّها / إِنَّ العلوم المعرفيَّة الدِّينيَّة الوحيانيَّة بعد ما كانت علوم ملكوتيَّة وجب النَّظر إِليها ، والتَّعامل معها ، وعدم الِاستهانة (والعياذ بالله تعالىٰ) بها . التَّنبيه الثَّالث: / تملُّص الفلاسفة عن شعارهم الأَوَّل / / الوحي ترشيد للسِّيْرِ والْفِكْرِ إِلى خطىٰ غير متناهية في التَّكامل / هناك إِشكالٌ جذريٌّ وأَساسيٌّ يُسَجَّل علىٰ الفلاسفة وَمَنْ جرىٰ علىٰ شاكلتهم ؛ فإِنَّ ما يرفعونه من شعارٍ هم أَوَّل مَنْ يتملَّص منه منهجيّاً ، فإِنَّهم ادعوا في حَقِّ بيانات الوحي والميزان والمنهج الوحياني أَو التعبُّد الوحياني أَو التَّوقيتيَّة أَو التَّوقيفيَّة علىٰ قوالب بيانات الوحي : أَنَّها حبوسيَّة وتحجير وسلب لحريَّة الْفِكْر ولحريَّة الإِنسان ، وإِرهاب وترهيب . لكنَّه : توهم فاسد. والحقُّ : أَنَّ معناها : ترشيد للسَّيْرِ والْفِكْرِ البشري إِلى خُطىٰ غير متناهية في التَّكامل ـ ومِنْ ثَمَّ مدحت بيانات الوحي العقل والتَّفَكُّر وطلب العلم ، وذمَّت الجهل والشَّكّ والرِّيبة والتَّردُّد ؛ لكونها تُوْقِف حركة الْفِكْرِ وسَيْرَه ـ ، وعاصمة مَنْ يتمسَّك بها من الإِفراط والتَّفريط ، وتبحر به في بحور عوالم المعاني والحقائق غير المتناهية أَبَد الآباد وَدَهَر الدُّهُور، وتعطيه قوالب وبراهين ولغات وأَنظمة ونظم وموازين وحيانيَّة وعقليَّة ؛ أَعظم من دون قياس مِـمَّا يُعطيه الجهد البشري المحدود والمتناهي بمحدوديَّة وتناهي قوىٰ البشر وإِمكانيَّاته . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر عليه السلام المُوجَّه لطالبين العلم من غير أَهل البيت عليهم السلام : « يمصون الثماد ويدعون النَّهر العظيم ، قيل له : وما النَّهر العظيم ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه واله والعلم الَّذي آتاه الله ، إِنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله سنن النَّبِيِّين من آدم هلمَّ جرّاً إِلى محمَّدٍ صلى الله عليه واله . قيل له : وما تلك السُّنن ؟ قال : علم النَّبيِّين بأسره ، إِنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله علم النَّبِيِّين بأسره ، وإِنَّ رسول الله صلى الله عليه واله صيَّر ذلك كلَّه عند أَمير المؤمنين عليه السلام . فقال له رَجُلٌ: يابن رسول الله ، فأَمير المؤمنين عليه السلام أَعلم أَو بعض النَّبِيِّين ؟ فقال أَبو جعفر عليه السلام : اسمعوا ما يقول !! إِنَّ الله يفتح مسامع مَنْ يشآء ، إِنِّي حدثتُ: أَنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله علم النَّبِيِّين ، وإِنَّه جعل ذلك كلّه عند أَمير المؤمنين ، وهو يسألني هو أَعلم أَم بعض النَّبِيِّين؟!». بحار الأَنوار، 26: 166ـ 167/ ح21. بصائر الدرجات: 32ـ 33. ودلالته واضحة . والمراد من الثمد : النَّدىٰ الَّذي يتكوَّن علىٰ الأَحجار . إِذَنْ : الفلاسفة ومَنْ جرىٰ علىٰ شاكلتهم وإِنْ كانوا يتشدَّقون بالتَّحرُّر عن الضِّيق والحبوسيَّة والتَّقليد والتَّسالميَّة، لكنَّها مُجرَّد شعارات تنظيريَّة، وإِلَّا فعلم الفلسفة بعدما قصره أَصحابه عملاً علىٰ نتاج العقل البشري كان محبوساً وضيِّقاً، ولم ينفتح علىٰ أُفق الوحي غير المتناهي، والمُتخطِّي لِسَعَة العقل البشري بما لا يتناهىٰ؛ والمُعطي موادّاً علميَّة وعقليَّة ومعرفيَّة للبشريَّة أَعظم وأَخطر من دون قياس مِـمَّا تُعطيه العلوم والمعارف البشريَّة فلسفيَّة كانت وعقليَّة أَم غيرهما. نعم، لضيق أُفق الباحث في علوم ومعارف بيانات الوحي يُؤَوِّل ويلوي أَعناق دلالاتها علىٰ وفق سَعَة أُفقه وفهمه وأُفق وفهم البشر. وبالجملة : الفلسفة ولغتها لغة عقليَّة بشريَّة ، وهي محدودة ومتناهية ، بخلاف بيانات الوحي المعرفيَّة ؛ فإِنَّ لغتها عقليَّة وحيانيَّة ؛ وقلبيَّة وذوقيَّة وجدانيَّة وحيانيَّة غير محدودة وغير متناهية أَبَد الآباد وَدَهر الدُّهُور